معلوم أن المحن تٌوحد ضد الخطر المشترك أما وقت الرخاء فيظهر فيه الخلاف بين المصالح أو الأيدلوجيات أو الأولويات وحتى على مستوى التيار الواحد أو الأحزاب الكبرى التي تتأسس في ظروف استثنائية عقب الثورات أو الاحتلال تجد الاجتماع بسبب الظرف الاستثنائي ومع مرور الوقت يحدث انفصال بين الأجنحة المختلفة التي سرعان ما تنفك عن أحزاب أصغر كما حدث مع الوفد في أواخر العشرينيات من القرن الماضي حين انفصل عنه حزبا الهيئة السعدية والأحرار الدستوريون.
لذا لا يعد ما يحدث داخل حزب النور من معركة ساخنة بين جبهتين تكاد أن تشطره نصفين مفاجأة حيث يعبر عن تطور طبيعي في الحركة السياسية السلفية وانعكاس لحركة اجتماعية متباينة ولكن ربما يقابله البعض باستغراب نتيجة لوقوعه فريسة لإطار التنميط stereotyping حيث يتحدث من خلاله صورته الذهنية عن السلفيين والتي يغلب عليها التسطيح بغض النظر عن مدى دقة هذه الصورة وارتباطها بالواقع فهم مجرد ألآت لا تفكر وتأتمر فقط بأوامر المشايخ أو هم ناس يمثلون الطهر السياسي لا يمكن أن تصدر منهم مخالفات أو يحدث بينهم شجار سواء كانت هذه النظرة بصدق أو لكي يستغل ذلك في الدعاية المضادة وتصويرهم في صورة أنهم من خدعوا الناس بالدين رغم أن السلفيين ليسوا بدعاً من القوم بل يسري عليهم ما يسري على غيرهم في الحياة السياسية.
يعاني المحللون السياسيون غالباً أثناء البحث في الشأن السلفي نتيجة نقص المعلومات عن التيار السلفي ككل بخلاف نظيرتها جماعة الأخوان المسلمين التي صنفت العديد من المؤلفات عن تاريخها وأدبياتها سواء بأيدي أبنائها أو من يعارضوها وحتى الجماعات الجهادية التي حظيت بقدر لا بأس به من التغطية الإعلامية نتيجة لنشاطها ضد الحكومات السياسية المختلفة.
لذا يقع هؤلاء الخبراء إما في خطأ دراسة الجماعة في قوالب جاهزة خاصة بدراسة الإخوان أو المجموعات الجهادية و بالتالي لا تناسب السلفيين. لن نفهم أبعاد الأزمة قبل النظر لظروف نشأة التيار السلفي في مصر وحركتهم السياسية قبل الثورة .
ترجع نشأة التيار السلفي في مصر إلى عهد بعيد حيث واكب ظهور الحركة الوهابية في الجزيرة حركة سلفية في مصر وظهرت أسماء سلفية كبيرة في هذا الوقت كرشيد رضا ومحب الدين الخطيب بل إن ظروف نشأة الإخوان تدل أنها نشأت كجماعة وسط بين تيار سلفي ممثل في جماعة أنصار السنة وبين الجماعات الصوفية التي كانت تسيطر على جزء كبير من المشهد الديني في مصر وقتها.
هذا التيار السلفي منذ تواجده على الساحة قد نشأ كتيار قام على فكرة تعظيم الدليل ولا يوجد إمام أو قائد تُتبنى أقواله في جميع المسائل إلا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما يعبر عنه في أدبياتهم بالقول المأثور"كل يُؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم " فلا قدسية للأشخاص ولا يوجد من تٌلغي قرارك لقراره مما أوجد مشكلة في مسألة الالتزام الحزبي بخلاف جماعة منظمة مثل الإخوان ينبني أمرهم على مسألة الطاعة والبيعة.
هذه صورة مقبولة جدا في الدين ولكن في السياسة فنجاح أي تيار في السياسة مهما كان صغر حجمه يتوقف على مدى نجاحه في تحقيق هذا الالتزام الحزبي وأن يتحول لكتلة ضاغطة مؤثرة حيث أن تحركه ككيان واحد يجعل الجميع يحسب له حساباً ويستطيع أن يدافع عن مصالحه وفكره.
وكل هذا يتطلب من الفرد طبعاً تعظيم قيمة الجندية والالتزام بالقرار الجماعي على حساب القرار الفردي وبالطبع لا يعني ذلك إلغاء الأفراد ولكن لأن القرار يتم بعد مشاورات وتأن فإن مسؤوليته جماعية ويتم الدفاع عنه بمجرد اتخاذه من قبل جميع أفراد الكتلة حتى الذين عارضوه وهو ما افتقده غالباً التيار السلفي.
فقد اختلف التيار السلفي في توجهاته السياسية بين من يرى الحكام هم ولاة أمر شرعيين تجب طاعتهم ولا يجوز الخروج عليهم ومن يرى عقم المشاركة السياسية من الأساس لأن الأنبياء إنما بٌعثوا ليؤسسوا دعوة لا دولة وأن الجماعات والأحزاب هي سبب تفرق الأمة ومن تبنى العمل الجماعي كسبيل للتمكين ومن يسمى بالسلفية الجهادية بالإضافة لدعاة الفضائيات الذين يشتركون في المنهج ولا ينتمون تنظيمياً لأي فريق مما سبق مما أوجد فرقاً في ديناميكية العمل الجماعي والتنظيم والهيكلة بل حتى المحاولات التي قام بها البعض قديماً لتوحيدهم اصطدمت بعقبتين وهما الضغوط الأمنية ورفض الكثير الانضواء تحت راية عمل جماعي موحد بدعوى عدم الحزبية.
الجزء السلفي الذي تبنى العمل الجماعي أسس ما يسمى المدرسة السلفية في بداية السبعينات التي تحولت فيما بعد لاسم الدعوة السلفية والتي نشأت في الإسكندرية قبل أن تنتشر في باقي أرجاء مصر. الدعوة السلفية رغم تبنيها خيار المقاطعة السياسية إبان فترة النظام السابق لقناعتها بأن ما يحدث إنما هو محض تمثيلية لتجميل وجه النظام وأن سبيل التغيير هو إصلاح المجتمع من قاعدته فاهتموا بالعمل الدعوي والاجتماعي على حساب العمل السياسي واختاروا التوسع الأفقي وسط الجماهير وهو ما ظهر من انتشار متبعي مبادئهم في مختلف الأنحاء
لذا لم يظهر لهم نشاط في الانتخابات قبل الثورة حتى خلط البعض بينهم وبين من يحرمون السياسة ويرون عدم الخروج على الحكام إلا أنهم اعتادوا ممارسة السياسة عن طريق مقالات ومؤتمرات يوضحون فيها وجهة نظرهم في مختلف القضايا كقضية تحكيم الشرع ومؤتمرات السكان وحرب العراق ولبنان وغزة وغيرها.
لذا كانت المعاملة الأمنية للدعوة تتجه نحو التعرض للملاحقة الأمنية المستمرة والتضييق في مجالات العمل الدعوي بعيداً عن الإعلام للتحجيم داخل الإسكندرية ووضع سقف للعمل محدد من قبل جهات الأمن مع بخلاف الأخوان التي كانت مواجهتهم الأمنية موسمية ترتبط بالانتخابات. مع حدوث الثورة اختارت الدعوة عدم المشاركة ككيان في أحداث 25 يناير حماية للثورة من الإبادة إذا ظهرت بصورة دينية مع مشاركة الأفراد بصورة فردية واكتفت بأداء الدور تجيده من خلال حماية الجبهة الداخلية عبر اللجان الشعبية والأسواق.
بعد الثورة انصبت جهود الدعوة في اتجاهين الأول: هو إعادة ترتيب البيت من الداخل حيث تم تشكيل الجماعة بطريقة مؤسسية لها مجلس إدارة ومجلس أمناء وآخر للشورى ووضع لائحة للعمل ونظام لترقي الكوادر مع إشهار ذلك في العلن وتحولت الدعوة لجمعية خيرية مشهرة تحت اسم جمعية الدعاة بعد تعنت وزارة التضامن في إشهارها باسم الدعوة السلفية وكان ذلك الإشهار تحسباً لوجود دولة القانون عما قريب حيث يتم التضييق على أي عمل خارج عن مظلة القانون. الثاني: هو إحداث حالة من التقارب مع السلفيين الآخرين الذين لا ينتمون للدعوة مع الاحتفاظ بالدعوة السلفية كمركز للعمل السلفي دون الاندماج في كيانات أخرى.
على الجانب السياسي ونتيجة لحالة السيولة السياسية عقب الثورة ومع ظهور خطاب علماني قوي داخل وسائل الإعلام وظهور تخوفات على هوية البلد الإسلامية في ظل تصريحات مقلقة للسلفيين عن تغيير المادة الثانية من قبل مسؤولين رسميين مثل د.يحيي الجمل وبلوغ الاستقطاب داخل المجتمع أقصى حالاته لاسيما فترة الاستفتاء على التعديلات الدستورية ظهرت إشكالية هل يتم تشكيل حزب للسلفيين أم يتم الاكتفاء بأن يكون السلفيون لوبي ضاغط داخل المجتمع وحدث نوع من استطلاع الرأي على مختلف المستويات لاتخاذ هذا القرار.
استقر الأمر على تشكيل الحزب بسبب عدم الثقة في قدرة الأخوان على تمثيل وجهة النظر السلفية نظراً للخلافات الفكرية بينهما وأيضاً عدم رغبة السلفيين في اختزال المشروع الإسلامي في فصيل واحد لو تم ضربه انهار المشروع بالكلية أضف إلى ذلك تحولهم إلى عامل ضغط على الأخوان لعدم تقديم تنازلات في قضية الهوية أمام ضغوط العلمانيين مع وضع في الاعتبار أنه مازالت نظرة السلفيين للأمر أن الأصل هي الدعوة وهي طريق التغيير والتمكين وليس السياسة وبالتالي لا يمكن إلغاء الدعوة لصالح الحزب بل الحزب مجرد درع واقٍ لحماية الدعوة وإضفاء صبغة أكثر إسلامية على المجتمع من خلال التشريعات. رغم أن عبء إنشاء الحزب وقع بالكلية على الدعوة وكوادرها إلا أن الفترة الأولى من تشكيل الحزب شهدت صيغة أن حزب النور إنما هو حزب مقرب من الدعوة وليس ذراعاً سياسياً لها حسب تصريحات قياديين مثل المتحدث الرسمي للدعوة وبالتالي ضم الكثير من السلفيين ممن لا ينتمون للدعوة حتى في الهيئة العليا.
ظهر أول صدام بين الطرف المحسوب على الدعوة والطرف المضاد لها داخل الحزب على خلفية التصريحات التي تخرج من الحزب ويتم انتقادها علانية من الدعوة مثل تصريحات د.محمد يسري سلامة حينما كان يشغل منصب المتحدث الرسمي عن أدب نجيب محفوظ وعلى الجانب الآخر تصريحات الدعوة في قضايا تثير جدلاً مثل تغطية التماثيل بالشمع ويرى أفراد الحزب أنهم يتحملوا عبء الدفاع عنها بدون داعٍ وأن الأفضل لمشايخ الدعوة أن يلتزموا الصمت فيها خاصة أن مواقف الدعوة السياسية المعلنة كانت في غالبيتها تنطلق من منطق الفتوى والحلال والحرام وليس من منطق العمل السياسي وما يتطلبه من موائمات ومرونة واختيارات بين تفضيلات متعددة في حين ترى الدعوة أنها لابد لها من الجهر برأيها في كل قضية لأنهم دعاة بالأساس يبينون للناس ما يرونه حقاً وبالتالي غاية ما يمكن حدوثه لعدم حدوث تعارض أن يبين حزب النور الحكم الشرعي كاملاً ثم يبين أن لا يستطيع تطبيقه في الوقت الحالي لمحاذير معينة خصوصاً وأن الجميع متفق على أن التنازل لا يمكن إلا من خلال فتوى شرعية.
عندما خشيت الدعوة من انفلات التوجهات داخل الحزب أرادت ضبط الأمور داخل الحزب وهو ما عده الطرف الآخر محاولة الهيمنة على الحزب وإن كان ذلك عبارة عن تحصيل حاصل حيث أنه رغم آلية القرار منفصلة في الحزب عن الدعوة إلا أن غالبية أعضاء الحزب هم أبناء الدعوة وبالتالي هم المتحكمون في مفاصله لذا تسيطر رؤية الدعوة على الحزب.
الاتهام بمحاولة السيطرة على الحزب تهمة اختص بها الشيخ ياسر برهامي والدائرة المقربة حوله دوناً عن باقي مشايخ الدعوة وهي تهمة قديمة يتهمه بها دائماً خصومه من السلفيين بأنه المسيطر أيضاً على الدعوة وهي تهمة بالأساس راجعة للسمات الشخصية للشيخ وطبيعة دروسه التي دائماً ما تتناول القضايا الفكرية والأشخاص والجماعات المناوئة للفكر السلفي بالنقد مما أكسبه عداوات عديدة على أصعدة مختلفة أضف إلى ذلك قربه من الشباب نتيجة لأنه في الفترة منذ عام 1994 يتحمل معظم العبء الإداري لإدارة أنشطة الدعوة السلفية في مصر كلها بحيث أن جميع المجموعات التي تقوم بالأعمال ترتبط به شخصياً مما أوجد بطانة كبيرة متعصبة له.
لاشك أن العمل في الدعوة يقوم بشكل مؤسسي إلا إن الواقع يؤكد أن شبكة علاقات الشيخ ياسر الممتدة مع العاملين والقوى الأخرى دون عن باقي أعضاء مجلس إدارة الدعوة أدى لوجود تأثير كبير له على معطيات أي قرار يتم اتخاذه في الدعوة مما أكسبه سمعة بأنه الرجل القوي داخل الدعوة ومن يتحكم بالأمور خلف الستار داخل الحزب وهو وصف يفتقد الدقة وبشدة.
نفس هذه التهمة –سيطرة الشيخ ياسر- كانت لها آثار على قضية أخرى سببت مشكلة كبيرة لحزب النور ألا وهي موقف الدعوة والحزب من تأييد المرشح حازم صلاح أبو إسماعيل حيث سيطر هاجس لدى الكثير –ربما روج له أيضا بعض مناصري الشيخ حازم – أن الخلاف شخصي بينه وبين الشيخ ياسر لرفضه الانصياع لسيطرة الشيخ ياسر أثناء أحداث محمد محمود الشهيرة مما فتح أضعف كثيراً موقف الحزب وفقد الكثير من مؤيديه وكان هذا أيضاً سبباً لزيادة الشقاق بين طرفي الأزمة داخل الحزب ولا يعني هذا أن الدعوة لم تكن ترغب في ترشيح الشيخ حازم إلا أن القرار النهائي لم يكن في يد مجلس الإدارة بل ما تسفر عنه نتيجة التصويت في مجلس شورى الدعوة.
هذه الأزمة بالذات أظهرت خطأ ما يتحدث البعض عنه من أن الأزمة بوصفها صراع بين السياسيين و المشايخ داخل الحركة السلفية وهو وصف تعوزه الدقة والعمق في تشخيص طرفي الخلاف وأسبابه وسياقاته حيث كانت خيارات المشايخ سياسية بحتة حيث رأوا أن الشيخ حازم ليس هو الخيار الأنسب سياسياً فيما كانت خيارات الجمهور تميل للمرشح الذي يجيد خطابهم دينياً فقط.
ولأن جمهور حزب النور الذي لا يقتصر على سلفي الإسكندرية فقط يختلف عن جمهور الدعوة السلفية من ناحية ارتباطه بالمشايخ فهم لا يحملون لهم نفس القدر من التبجيل لذا حاز مشايخ الدعوة على قدر عالي من السخط بسبب اعتقاد مؤيدي التيار الإصلاحي أنهم وإن كانوا فقهاء إلا أن تقديراتهم السياسية سيئة وأيد ذلك تحفظ هذا الجمهور على موقف المشايخ السياسي من الثورة منذ البداية.
لعل فقدان الثقة في القيادة هو أسوأ ما يصيب الجماعات تكوينية الاختيار هي التي تكون فيها الرابطة التي تجمع الأفراد بالقادة هي مسألة الثقة بالقيادة ولأن الجماعات الدعوية هي من هذا القبيل حيث تكون الثقة هنا هي في التزام القائد بمبادئه وهذا ما افتقده قطاع كبير من جمهور النور الذي فقد الثقة في قيادته.
رغم أن خيارات المشايخ كانت هي الأوفق سياسياً إلا إن الحزب دفع ثمنها من شعبيته وتجلت أزمة السلفيين في الرئاسة في عدم قدرة القيادة على إقناع الأتباع بالمرشح في ظل حالة من تشتت التيار السلفي في مصر بعد أزمة أبو إسماعيل مما أدى لعزوف الكثيرين عن الانتخابات ورغبة البعض في ترشيح محمد مرسي مرشح الأخوان مقابل د.أبو الفتوح الذي تسانده الدعوة وحزب النور.
بالطبع لا أحد يستطيع أن يعفي الخطاب الإعلامي للحزب والدعوة من المشاركة في تحمل جزء من هذا الخطأ حيث يوجد ما يشبه أن يكون عجزاً متكرراً عن استباق الأزمات فلا تخرج التصريحات إلا بعد حدوث الأزمات فمثلا كان من الممكن تلافي قدر كبير من الشقاق الذي حدث من ظن الكثير أن الحزب والدعوة يأخذان موقفاً معادياً من الشيخ حازم صلاح أو أنهم يؤيدون خيرت الشاطر إذا تم التصريح للجميع منذ البداية بآلية الاختيار وأن كليهما سيخضع لفرص متساوية في التصويت الحر المباشر داخل مجلس الشورى العام للدعوة والحزب.
إذن هناك فريق منذ البداية ضد سيطرة المشايخ أتبع ذلك أزمة ثقة في المشايخ عقب انتخابات الرئاسة من قبل قطاع كبير من الأتباع فهل يتوقع إلا انفجار أزمة كبيرة عند أول بادرة خلاف وهي مسألة الانتخابات الداخلية للحزب التي بدأ الخلاف على موعدها وعلى أن من تم دعوته لحضورها هم أتباع الدعوة فقط رغم أن الدعوة كانت مفتوحة وتم إعادة الانتخابات للمتخلفين ومع ذلك لم يستطع تيار الإصلاح حشد أنصاره أن هذه الأزمة تم تصعيدها بشكل غير متوقع من قبل هذه الجبهة بسبب إحساسهم بضعف حجم مؤيديهم فاختاروا خيار شمشون بهدم المعبد على رؤوس الجميع وليكن شعار المرحلة علي وعلى أعدائي.
الخلاف الإداري حول اللائحة أو هل رئيس الحزب يتعامل بصيغة انفرادية أم لا؟ ما هو إلا ستار لخلاف منهجي بالأساس وإلا فإن الجبهة تعلم يقيناً أن حزب النور بدون الدعوة السلفية لن يعدو أن يكون رقماً على الهامش مثل الأحزاب الصغيرة كالأصالة حتى أن الجبهة التي تزعم أنها تريد الانفصال عن الدعوة حين اختارت من يحكم بينها وبين المؤيدين للدعوة اختارت مجلس أمناء الدعوة كحكم بين الطرفين! الانتخابات ليست قطعاً هي السبب الرئيس فيما حدث من انشقاق ولكنها رأس جبل الجليد الذي تكون عبر شهور في حزب النور وسنوات في التيار السلفي ككل بدلاً من أن تستغل في الدعاية الإيجابية للحزب كأول حزب يقوم بعمل امتحانات تثقيفية لأعضائه كشرط لترقيهم فيما يعد سابقة في الحياة السياسية.
خسائر السلفيين لاشك أنها فادحة من هذه الخلافات مثل عدم قدرة السلفيين على إدراك قيمة أن يتحولوا إلى كتلة مؤثرة ضاغطة ففي الوقت الذي يثني فيه السلفيون على غيرهم أياً كان الغير سواء أخوان أو حتى ألتراس بسبب تجمعهم وعدم تفرقهم تجد الكثير منهم يرفض رفضاً باتاً الانتظام في عمل جماعي منظم وتجد البعض لم يدرك مدى إنخفاض وزن السلفيين وتأثير قدرتهم التفاوضية نتيجة تفرقهم وهو ما يلقي بالظلال على القضية الأخطر وهي هل سيأبه أحد لمطالب السلفيين حول الدستور؟ وهل سيخشون من قدرتهم على حشد الجماهير لمنع أي مواد تغير هوية البلد أو تجمد قضية تحكيم الشريعة على سبيل المثال؟كذلك لا أحد يدري ما أثر ذلك على منافستهم في الانتخابات القادمة عما قريب.
أيضاً مازال حزب النور يعاني من القصور في الأداء الإعلامي حيث لا توجد قنوات اتصال بينه وبين القواعد إلا عن طريق المساجد مما جعل قادته لا يستطيعون حشد أتباعهم حول رؤيتهم وخسارتهم مزيد من الأتباع لمصلحة الأحزاب الإسلامية الجديدة وأصبحت نتيجته المتوقعة رهناً بمدى قدرته على مواجهة ضغوط الفصائل الإسلامية الأكثر تشدداًً وراديكالية على يمين الجسم السلفي الرئيسي وخاصة إذا ما فشلت السلفية السياسية وممثلها الحالي حزب النور في تحقيق نجاحات ملموسة من المنظور السلفي مثل ضمان هوية الدولة في الدستور الجديد.
الفشل في تحقيق ما سبق لن تؤدي فقط إلى زيادة الوزن النسبي للقوى الإسلامية المتشددة على حساب النور ولكنها قد تؤدي أيضا إلى يأس جماهير السلفية من العمل السياسي و انصرافهم عن السياسة والتفرغ للدعوة مرة أخرى في ضوء ما يرونه من ”عدم جاهزية الواقع المصري لحكم الشريعة الإسلامية“ وهو اتجاه قد بدأت بوادره في الظهور مؤخراً عند البعض منهم. لعل في هذه الخلافات دروسًا لأولئك الرموز التي هدمت أو أضعفت كيانها بنفسها لعلها تفيق قبل وقوع كوارث عما قريب.